المنهج القرآني في تقويم النفس من الشهوات - مدارات الفكر والأدب

 

:: إعْلَاَنَاتُ مُنتـدى مدارات الفكـــر والأدب ::  
نبضـات مبدعي منتدى مدارات الفكر والأدب

مدارات الفكر والادب
عدد مرات النقر : 0
عدد  مرات الظهور : 252,829منتدى اكاديمية تباريح الضاد
عدد مرات النقر : 11
عدد  مرات الظهور : 252,841
"بكـم يزداد هذا موقعنــا نــورًا وجمــالًا، أنتم كالشــمعة التي تضــيء الدروب، والأخــلاق الفاضــلة التي تزين النفوس. إننا فخــورون بكم وبانتمائكــم إلينا، وواثقــون من أنكم ستكونون دائمًا خير ســفراء لهذا الموقـــع" إدارة الموقــــع

"مدارات الفكر والأدب، ومبتدأ وأنتم خبرهاـ سفينة تسير بخطى ثابتة نحو آفاق المعرفة، أنتم ربانها الحكيم وقائدها الملهم، تعملون معًا لبناء مستقبل مشرق" مرحــبا بكم مليــــون



  -==(( مميـــــزي مــدارات الفكــر والأدب))==-

أفضل مشارك : أفضل كاتب :
بيانات همس المشاعر
اللقب
المشاركات 22
النقاط 10
بيانات admin
اللقب
المشاركات 61
النقاط 10

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم اليوم, 09:16 PM
همس المشاعر غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 21
 تاريخ التسجيل : Oct 2024
 فترة الأقامة : 1 يوم
 أخر زيارة : اليوم (10:33 PM)
 المشاركات : 22 [ + ]
 التقييم : 10
 معدل التقييم : همس المشاعر is on a distinguished road
بيانات اضافيه [ + ]
شكراً: 17
تم شكره مرة واحدة في مشاركة واحدة
افتراضي المنهج القرآني في تقويم النفس من الشهوات



المنهج القرآني في تقويم النفس من الشهوات

إنَّ أساسَ التشريعِ الإسلاميِّ ورُوحَهُ هو التعاملُ مع النفسِ البشريةِ بشتى أشكالها، فهناك نفسٌ متينةٌ مكينةٌ، ونفسٌ هَشَّةٌ هَزِيلَةٌ، ونفسٌ مُؤْمِنَةٌ تقيةٌ، ونفسٌ فاجرةٌ عصيةٌ، فألوانُ النفوسِ البشريةِ متباينةٌ متغايرةٌ، لذا تحتاج كلّ منها إلى علاجٍ يُنَاسِبُهَا.
والنفوسُ على ثلاثةِ أنواعٍ: نفسٌ مطمئنةٌ إلى ربِّها وهى أشرفُ النفوس وأزكاها، وهي التي بشَّرها المولى عزَّ وجلَّ بقوله ﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴾ [الفجر: 27 - 30}.
والثانيةُ نفسٌ مجاهدةٌ صابرةٌ فهذه في المرتبة الثانية، وجزاءُ هذه النفس المغفرةُ والرحمةُ، قال تعالى ﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ {النحل: 110}.
والنَّفْسُ الثالثةُ نفسٌ مفتونةٌ بالشهوات والهوى، تميلُ مع حَظِّهَا وشَهَوَاتِهَا أنَّى مَالا، فهذه النَّفْسُ الشقيةُ، التي حظُّها الألمُ والعذابُ، والبُعْدُ عَن اللهِ تعالى والحجاب.
والقرآنُ هو المنهجُ القويمُ في تقويم هذه النفس، وردّها إلى فطرتها، وسلامةِ خُلُقِها، قال المولى عز وجل ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [ المائدة: 15 - 16 ].وقال سبحانه ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ {يونس: 57}.
فالقرآن شفاءٌ لما في الصدورِ من أمراضِ الشهواتِ التي تصدُّ عن الانقيادِ للشرعِ، وأمراضِ الشبهات التي تقدح في العلمِ اليقيني، فإنَّ ما فيه من المواعظِ والترغيبِ والترهيبِ، والوعدِ والوعيدِ، ما يوجبُ للعبدِ - إذا تَدَبَّرَه وعَمِلَ به - الرغبةَ والرهبةَ.
ففي القرآن ما يُقَوِّمُ النَّفْسَ ويُهّذِّبُها، فهو الفرقان الفارق بين الحلالِ والحرامِ، والسعداءِ والأشقياءِ، والحقِ والباطلِ، جعله الله تعالى هدى للناس عمومًا، وللمتقين خصوصًا، من ضلالِ الكفر والمعاصي والجهل، إلى نور الإيمان والتقوى والعلم.
أيها المسلمون، إنَّ فلاح الإنسان في الدنيا والآخرة يقوم على تقويمِ النفس وعلاجِهَا من آفاتها، قال تعالى ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ {النازعات:40 - 41}.
وآفات النفس البشرية إما أنْ تكونَ شبهاتٍ وإما أن تكون شهواتٍ، فالشبهاتُ تكون في الدين وهي الأمورُ التي تشتبه على الناس فلا يميزون فيها بين الحلال والحرام، بين السنة والبدعة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "إنَّ الحلال بَيِّنٌ، وإن الحرام بَيِّنٌ، وبينهما أمورٌ مُشتبهة"[1].وأمَّا الشهوات فهي الرغبةُ الشديدةُ للنفسِ في تحصيلِ ما تشتهيه من ملذاتها ومطالبها التي تلائمها وتحبها ولا تتمالك عنها.
وهذا أخطر ما يكون في أمراض الشهوات، فإذا ما تملكت الشهوة من النفس أصبحت هي المسيطرة عليها القائدة لها، فتقود شهوة الإنسان نفسه إلى تحقيق مطالبها، فلا يبالي من أين حصَّل شهوته، وبأي وسيلة.
فإذا تملكت شهوة المال من الإنسان لم يبال بمصدر كسبه، وهنا تكثر السرقات والاختلاسات والرشوة والغش والنصب والاحتيال، فيسلك الإنسان جميع المسالك المشروعة وغير المشروعة لتحقيق شهوته في حب المال.
وإذا تملكت شهوة الجنس من الإنسان كَثُرَ الزنا والخيانات الزوجية والمواعدات السرية بين الرجال والنساء، بل قد يؤدي هذا الأمر لانتكاس الفطرة فيسعى الرجل أو المرأة في تحصيل الشهوة الجنسية مع مثيله وشبيهه، وهذه هي الانتكاسة المردية والحمأة المهلكة.وهكذا في كل الشهوات إذا تملكت من النفس ساقتها إلى الرذائل التي توبقها في المهالك.
واللهُ عزَّ وجلَّ خلقَ الخلقَ على ثلاثة أصناف: خلقَ الملائكةَ وركَّبَ فيهم العقلَ ولم يُركِّبْ فيهم الشهوةَ، وخلق البهائمَ وركَّبَ فيها الشهوةَ ولم يُركِّبْ فيها العقلَ، وخلقَ الإنسانَ وركَّبَ فيه العقلَ والشهوةَ، فمن غَلَبَتْ شهوتُهُ عَقْلَه فالبهائمُ خيرٌ منه، ومن غَلَبَ عَقْلُهُ شَهْوَتَه فهو خيرٌ من الملائكة".فمن هذَّبَ شهوته صار في المنزلة عند الله فوق الملائكة، ومن سيطرت عليه شهوته وتحكَّمت فيه صار أحطَّ من البهيمة[2].
فالإنسان كائنٌ مركبٌ من العقلَ والشهوةِ، والعقل مصدره السماء فهذا شبه الملائكة، والشهوة مصدرها الطين فهذا شبه البهيمة، فالإنسان في منزلة بين المنزلتين، فإذا استخدم الإنسان عقله وميَّزَ به بين الحق والباطل، بين الحلال والحرام، بين التوحيد والشرك فقد سما بنفسه إلى منزلة الملائكة، وكلما ازداد في ذلك ازداد شبهًا بالملائكة حتى يصير في منزلةٍ أعلى منهم.
وإذا اشتد لُصُوقُه بالطيِّنِ وخَضَعَ لغرائِزِه وشهواته صارَ إلى منزلةٍ أدْنَى من منزلةِ الحيوان، لأن الحيوانَ لا إرادةَ له ولا وعي فيما يفعلُ فهو مندفعٌ بطابع الغريزة، أما الإنسان فقد جعل الله له سمعًا وبصرًا وقلبًا يعقل به، فحين لا يعمل بهذه الأدوات فقد عطَّلها عن وظائفها التي خُلقت له واستخدمها في غير مراد ربَّها فصار بذلك أضل من الحيوان ، قال تعالى ﴿ وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ {الأحقاف:26}. وقال ربُّ العزة سبحانه ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ {الأعراف:179}.
والقرآن العظيم قد اشتمل على ما يعالج شهوات النفس ويهذِّبُها، وأول مبدأ يمكن أن نلحظه في المنهج القراني في تهذيب النفس هو مبدأ " التخلية قبل التحلية".
فهذه هي القاعدة الأولى وهي تنظيفُ المَحِلِّ وهو القلب فهو محل قبول الأوامر الشرعية، فيبدأ الإنسان بتخليته عن الشهوات والشبهات وتهيئته قبل نزولِ التكليف حتى يَصْلُحَ لقبولِ ما يرد عليه من الأوامر الإلهية فينقادُ إليها سجيةً وطبعًا وليس تكلفًا ومشقةً.
وهذه قاعدة عقلية فـ" قبولُ المَحِلِّ لما يُوضعُ فيه مشروطٌ بتفريغه من ضِدِّهِ "، وَهَذَا كَمَا أَنه فِي الذوات والأعيان فَكَذَلِك هُوَ فِي الاعتقادات والإرادات فَإِذا كَانَ الْقلب ممتلئا بِالْبَاطِلِ اعتقادا ومحبّة لم يبْق فِيهِ لاعتقاد الْحق ومحبّته مَوضِع[3].فإذا ما تتبعت كلمة شهوة بمشتقاتها اللغوية تجد أنها وردت في القرآن في ثلاثة عشرة آية، إحدى عشرة آية منها نزلت في مكة وآيتين نزلتا في المدينة.
وهذا أول ما يجبُ على المسلم أن يلحظه وهو أن استقامةِ النفس وسوائِها سببٌ أساسيٌّ لقبولها التكاليف الشرعية وانقيادها لها، وإذا لم تكن النفسُ سويةً مهذَّبةً مستقيمةً كان انقيادُها للشرع تكلفا وليس سجية ومحبة فيظهر ما نراه من هذا الفساد، فتجد الرجل يصلي ويسرق ويرتشي ويزني فيجمع بين الفضيلة والرذيلة بين الماء والنار.
عن أمِّ المؤمنين عائشةَ رضي الله عنها قالت: " إِنَّمَا نَزَلَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْهُ سُورَةٌ مِنَ المُفَصَّلِ، فِيهَا ذِكْرُ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الإِسْلاَمِ نَزَلَ الحَلاَلُ وَالحَرَامُ، وَلَوْ نَزَلَ أَوَّلَ شَيْءٍ: لاَ تَشْرَبُوا الخَمْرَ، لَقَالُوا: لاَ نَدَعُ الخَمْرَ أَبَدًا، وَلَوْ نَزَلَ: لاَ تَزْنُوا، لَقَالُوا: لاَ نَدَعُ الزِّنَا أَبَدًا، لَقَدْ نَزَلَ بِمَكَّةَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ أَلْعَبُ: [بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ][4].فأول تقويم للنفس يكون بالترغيب والترهيب، بذكر الجنة والنار، بالشوق إلى لقاء الله والخوف من عقابه.
ومن العجيب أنك تجد أن هذه الآيات التي ورد فيها ذكر الشهوات نصفها يتحدث عن الدنيا وشهواتها وملذاتها، وما يترتب عن السعي في تحصيلها دون ضابط شرعي.
والنصف الآخر يتحدث عن دخول المؤمنين الجنة، ووعدِ الله إيَّاهم أنَّهم سينالون كل ما تشتهي أنفسهم فيها، وتتحدث عن حرمان الله الكافرين ما تشتهي نفوسهم بسبب كفرهم واستمتاعهم بالشهوات فأذهبوا طيباتهم في الآخرة باستمتاعهم بشهواتهم في الدنيا، قال تعالى ﴿ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ ﴾ {الأحقاف:20}. وفي هذا التنوع لذكر الشهوات وهذه المقابلة بين ذكر حال المؤمنين المتقين ومآلهم وذكر الكافرين ومآلهم لما يحمل النفس على الصبر على شهوات الدنيا وملذاتها، فما حُرِمَ العبد من لذة في الدنيا وما منع نفسه من شهوة تغضب الربَّ جل وعلا إلا أورثه الله تعالى خيرًا منها وأبدله بها ما تَقَرُّ به عينُه وقلبه، فما تركَ العبدُ لله شيئـًا إلا عوضه الله خيرا منه في الدنيا براحة القلب والطمأنينة والسعادة والقرب من الله، وفي الأخرة بما لا عين رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر. الخطبة الثانية:الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير المرسلين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يقول الحق وهو يهدي السبيل، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله الطيبين وصحابته الغر الميامين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد: الملمح الثاني من ملامح المنهج القراني لتهذيب النفس ذكر سببِ الركون للشهوات وكيف يخرج الإنسان من هذه الحمأة المنتنة التي وقع فيها من الركون إلى الدنيا والفرح بها والاطمئنان إليها.
ففي سورة مريم يَذكر ربُّ العزة سبحانه بعض أنبيائه وأوصافهم وما كان من حالهم مع ربهم، ثم يذكر حال من خلفهم وأتى بعدهم فيقول سبحانه ﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا ﴾ {مريم:59 - 60}.
ففي هذه الآيات نجد أن الله عز وجل قرن بين إضاعة الصلاة واتباع الشهوات، وفي هذا تنبيه على ما للصلاة والمحافظة عليها في أوقاتها وعلى وجهها ما يحمل النفس على الاستقامة على دين الله عز وجل وعدم الركون للشهوات والملذات، قال تعالى ﴿ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ {العنكبوت:34}.
فانظر إلى هذا الربط القراني بين تلاوة الكتاب الذي هو القرآن وبين إقامة الصلاة وبين الابتعاد عن الفحشاء والمنكر، فأول سببٍ لاستقامة النفس وتهذيبها هو تدبر القرآن مع إقامة الصلاة والإتيان بها على الوجه الأكمل من الخشوع والسنة والإخلاص والمتابعة، فمع هذه الصلاة حتى إن وقع المسلم في معصية حتى إن غلبته نفسه لكن مع المجاهدة ما يلبث أن يظفرَ بعدوه ويملكُ زمامَ نفسه، قال تعالى ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ {العنكبوت:58}.أما أن يستمر الإنسان في الجمع بين الصلاة ومضاداتها من المعاصي والآثام فهذا يعني أن هناك خللٌ في أداء الصلاة أدَّى إلى عدم ظهور ثمرتها.
من المنهج القرآني في تهذيب النفس بيان الأسباب التي تحفظ العبد من الوقوع والركون للشهوات.ويظهر هذا الملمح في تناول القرآن لقضية الزنا وما يعصم النفس عن شهوة الجنس والنساء، فنجده يأمر بغض البصر وينفر عن هذه المعصية ويذكرها بأبشع الألفاظ.
قال تعالى: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾ {النور: 30 - 31}.
فهذا أول سببٍ وأولُ سهمٍ يصيبُ القلبَ بشهوة الزنا وهو النظر، فإذا أطلق الرجل أو المرأة النظر أصاب سهم الهوى قلبه فاشتهى الوقوع في هذه المعصية، وفي هذه الآيات نلمح أن الله عز وجل قد زاد في الأوامر للنساء، فأمر الرجل والمرأة بغض البصر وحفظ الفرج، ثم أمر المرأة بعد أبداء الزينة إلا للمحارم من زوج وولد وأخ ووالد وغير ذلك من محارمها.أما أن تطلق المرأة العنان لنفسها في الزينة والخلطة والمزاح والميل في الكلام فهذا هو منبع الفتنة.
وقد استخدم القرآن في التنفير عن هذه المعصية الترغيب والترهيب والوعد والوعيد، كما استخدم القصص الواقعي وما كان من حال الصالحين الذين اجتنبوا الوقوع في هذه المعصية مع توفر دواعيها وسهولة إتيانها ومع ذلك تركوها رغبة فيما عند الله ورهبة من عقابه.
وخيرُ مثالٍ لذلك قصة يوسف عليه السلام التي وصفها ربُّ العزة بأنَّها أحسنَ القصصِ، ﴿ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ * وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾ {يوسف: 23 - 24}.
فهذا النبي الكريم مع غربته وتهيؤ المرأة له مع ما لها من المال والمنصب والجمال، وما هيأته من الأسباب لإتيان هذه الفاحشة ﴿ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ ﴾، كما أنه شابٌ بلغ أشدَّه كما بيَّن القرآن.
فمع توَفُّرِ الدواعي من قوةٍ وشدةٍ وشبابٍ وامرأةٍ ذاتَ مالٍ وجمالٍ ومنصبٍ، ومع انتفاء الموانع من رغبة المرأة وغلقِ الأبواب وأخذِها بكلِّ الأسباب إلا أنه امتنع خوفًا من ربِّه واعترافًا بفضله ﴿ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾ {يوسف: 23}.
فأورثه الله عز وجل خزائنَ مصر جزاءً وفاقًا، قال تعالى ﴿ وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ {يوسف: 56}.
وفي السنة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ:" سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ" من هؤلاء السبعة: "وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ"[5].
فكان الجزاءُ من جنسِ العملِ، لـمَّـا حَبَسَ شهوته وتألم بنارِحَبْسِ النفس عنها في الدنيا، كافأه الله عز وجل بأن جعله في ظلِّ عَرْشِهِ وحَفِظَه من حرِّ نار يومِ الموقفِ جزاءً وفاقـًا.
وهكذا في سائر الأمور والشهوات، من ترك لله شيئًا وحبسَ نفسه عن شهواتها عَوَّضه الله خيرًا منها في الدنيا والآخرة قال تعالى ﴿ هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ﴾، وقال عز وجل ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾.فمن أراد أن تستقيم نفسه وأن يملك زمامها عن الشهوات فعليه بالقرآن، فهو نورٌ وبيانٌ وشفاءٌ لما في الصدورِ، وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

كلمات البحث

الحقوق محفوظة لمنتدى مدارات الفكر والأدب






رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المنهج, النفس, الشهوات, القرآني, تقويم


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:32 PM

أقسام المنتدى

【【【مـــدارات الديـن والثقافـة الاجتماعيـة】】】 @ الزوايـا الدينيــة والاجتماعيـــة @ السعة في كل مكان، والرحابة ترحب بكم، أهلاً ومرحبًا بقدومكم. @ الصحة والجمال، وزهرة الوجود @ فوق مستوى الدهشة وأوقات السعادة، (فعاليات) @ 【【【مــدرارت الأدبيـــــــــــة والفكريـــــــــــــة 】】】 @ مـدارات، زبرجــد الكلام، لـؤلـؤ البيــان @ ديـوانية الشعر النبطـــي والمحكـــي @ حصـــاد الغــــلال @ رسـائل فكريـة وتفاعـلات لامعـة @ مقــالات من نـور الفكــر @ المدينة الوردية للروايات والقصص @ همســـات النفــــــوس @ مشاعر مختلطة @ مكتبـة مـدارارت الأدبيـة ونبـراس العلـم @ بيــــادر مــــــداراتيــــة @ 【【【مــدارارت المواضـيع العـــامة والمنقولــة】】】 @ مقهــى مــدارات الفكــر والأدب @ أغصــان وارفـــة الظـــلال @ رونــق الحـرف والرســـم والمونتاج @ إليكــم نعــلن الوفـــاء @ 【【【دوائـــــــــــر التألـــــــــــــــــــــق】】】 @ نهضــــــة إبداعيــة وفكـــر مبتكــــر @ فضاءات التقنية للجوال والحاسوب وتطوير المنتديات @ آفــاق اداريــــة @ ركــن تنسـيق المحتـوى @ الزكــــــــن الهــــــــــــــــــــــــادئ @ الومضـات الحكائيــة القصــــيرة، ((ق.ق.ج)) @ تلألـؤ شـعري، ومضـة فنيـة، وهايكــو @ تحـــت ظـــــل النبـــــض @ وهـــــــــج القوافــــــي @ ســـرادق للدعــــاء والمواســــاة @ 【【【 ركــــــن خــــــاص لكتابـــــات احمـــد حمــــــاد】】】 @ خواطــــــــــــــــــــري @ قصــــــائدي النثريــــة @ الركــن الخـــاص بحــــروف احمـــد حمـــاد @



 »:: تطويرالكثيري نت :: إستضافة :: تصميم :: دعم فني ::»

Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
HêĽм √ 3.2 OPS BY: ! ωαнαм ! © 2011-2012
new notificatio by 9adq_ala7sas
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education